هناك أمور كثيرة تتعلق بتصميم المكاتب تتجاوز وضعيات الطاولات وإضافة وعاءي نباتات. يتحدث حول هذا الموضوع الكاتب الصحفي ألكسندر جاريت مع فرق شركة ريجس المسؤولة عن إتاحة العوامل الأساسية التي توفر مكان عمل مثاليًا
انس أمر طاولات رياضة تنس الطاولة وغرف التأمُّل وحتى صنابير المشروبات الطازجة في صالونات الأعمال المُشتركة. فأسرار المكتب الرائع حقًا تكمن في تفاصيل أدق – في تصميمه الأساسي. ووفقًا للتقارير، يستطيع مكتب جيد التصميم تعزيز سعادة الموظف بنسبة 33 في المائة (1)، في حين يعتقد أكثر من نصف العاملين أن إنتاجيتهم ستزداد إذا تمكنوا من بلوغ أجواء مكاتبهم المثالية (2).
ينبغي على الشركات الانتباه إلى هذه الإحصاءات. تشير الأبحاث التي أجرتها شركة (Gensler)، وهي شركة معمارية عالمية، إلى أن الإنتاجية المفقودة بسبب سوء تصميم أماكن العمل كلفت الشركات الأمريكية ما يُقدر بنحو 330 مليار دولار خلال العام الماضي (3).
تُدرك شركة ريجس هذه الأمور أفضل من الجميع. فهي تفتتح ملايين الأقدام المربعة من أماكن العمل الجديدة حول العالم سنويًا، وبالتالي تُضيف مساحات جديدة يوميًا تقريبًا إلى شبكتها العالمية التي تتمتع بأكثر من 3100 مركز أعمال في 1000 مدينة في أكثر من 110 دولة. تُمثل تلبية احتياجات 2.5 مليون فرد ممَن يستخدمون أماكن العمل هذه – ليس فقط في الوقت الحالي، ولكن خلال السنوات المقبلة – تحديًا يتطلب منهجًا مبتكرًا عند التصميم وفهمًا عميقًا لكيفية تغيُّر طريقة عملنا.
1. فهم عالم العمل الجديد
يقول فيليبو سارتي، رئيس قسم الخدمات العقارية وعمليات فتح مراكز ريجس الجديدة الذي يُقيم في سويسرا: "يُمثل تصميم المكاتب الرائع توازنًا بين الفن والعلوم". "حيث يهدف الفن إلى تصميم مكان عمل جذاب يوفر عامل إبهار للمُستخدم. أما العلم فيستهدف التأكُّد من ملاءمة مكان العمل للشركات التي تستأجره والموظفين الذين يستخدمونه."
ويشير إلى موقع مراكز ريجس الفريد – حيث يوفر أماكن عمل مرنة لمجموعة متنوعة من العملاء حول العالم. ويُضيف: "علينا أن نتمكن من تخطيط ووضع البنية الأساسية للمكاتب بحيث تُناسب أي عميل محتمل في المستقبل." "ما حجم المساحة التي يحتاجونها؟ ما احتياجاتهم من الطاقة والبيانات؟ كم فترة بقائهم في المكتب؟ وماذا يحدث حين يغادرون – هل يمكن تلبية احتياجات شاغل المكتب القادم في نفس المكان؟"
يذكر فرانسيس كليري، مدير مشروعات افتتاح المراكز الجديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى ريجوس ويُقيم في هونج كونج: "يميل الناس إلى التفكير في تصميم المكاتب باعتباره طريقة وضع الطاولات فحسب، ولكنه أكثر من ذلك بكثير." "يتعلق الأمر بفهم توقيت ومكان وطريقة عمل الأفراد. يُدرك العاملون من جميع الأجيال – وليس جيل الألفية فحسب – فوائد العمل المُشترك ويصبحون أكثر قدرةً على الحركة. لذا يجب أن تتمتع المكاتب بميزة تعزيز الإنتاجية والإبداع والتعاون."
وفي دراسة استقصائية أجرتها شركة ريجس عام 2017 على 20000 موظف من كبار المديرين وأصحاب الأعمال في جميع أنحاء العالم، اختار خُمسهم مراكز العمل باعتبارها الموقع الأكثر شهرة للعمل عن بُعد. ويُضيف كليري: "تتجه مكاتب اليوم لأن تصبح أماكن عمل حسب المقصد." "وبالتالي تختار المكان الذي تعمل فيه، لأنه أنسب مكان تؤدي فيه عملك."
فيليبو سارتي، رئيس قسم الخدمات العقارية وعمليات فتح المراكز الجديدة لدى شركة ريجس
2. اختيار نموذج التصميم
تطور التصميم الحديث للمكاتب، ولذلك تطور تصميم مكاتب ريجس أيضًا. وبالمقارنة مع 30 سنة مضت، حين تأسست الشركة، تبدو مكاتب ريجس الجديدة مختلفة تمامًا اليوم كاختلاف سيارة (Tesla) موديل عام 2018 عن سيارة (Honda Accord) موديل عام 1989.
تستند المراكز التجارية الجديدة إلى تصميم من عدة تصميمات. يُحدد عامل الموقع – والعملاء المحتملين في المستقبل – الخيار المطلوب. ويقول كليري: "يتنوع عملاؤنا بين جيل الألفية العاملين لدى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والمجالات الإبداعية ومهنيين متخصصين يعملون في مجال التمويل أو الخدمات." "نُريد توفير مكان عمل يُلائم جميع أنواع الأعمال المختلفة واحتياجاتها."
يتمتع أحد أكثر التصميمات المُعاصرة، والمعروف باسم ساجانو (Sagano)، بمظهر نظيف وعصري ينشر خطوطًا ومواد ناعمة، مثل الصلب المقاوم للصدأ والزجاج المُقسّى، لإبداع أماكن عمل مستوحاة من الطبيعة وفصول العام الأربعة. ويذكر كليري: "ومثالاً على هذا التصميم مركز (Clarahuus) في بازل بسويسرا. إنه أكثر احترافية من حيث المظهر والانطباع، وهو مناسب للمنطقة الموجود فيها والشركات التي تستخدمه."
يستغل تصميم ساجانو (Sagano) توجُّه التصميمات الحالي المعروف باسم بيوفيليا (biophilia) – وهو رغبة الإنسان في الاقتراب من أشكال الحياة الأخرى في الطبيعة. ومن خلال دمج مجموعة من الكائنات الحية والأنماط الطبيعية وعناصر التصميم المستوحاة من الطبيعة، يشعر العاملون بالاسترخاء والاندماج والاتصال بالعالم من حولهم. ويُشير كليري: "نستطيع، باستخدام المواد الطبيعية، بما في ذلك القشرة الخشبية والإضاءة الساطعة النظيفة، إبداع مكان مُريح ومُحفِّز للإنتاجية."
هناك تصميم آخر خاص بشركة ريجس، يُسمى باوهاوس (Bauhaus)، يتمتع بانطباع صناعي أكثر، كما أنه منتشر لدى الشركات الناشئة والشركات الصغيرة. ويوضح كليري: "بالنسبة للشركات التي تستهدف الأنشطة الفنية والإبداعية، يوفر تصميم باوهاوس بيئةً عصرية وغير تقليدية، مع تنوُّع واسع في نوعيات الأماكن التي يمكنك العمل فيها." يُعتبر مركز برين في نابولي مثالاً عمليًا رائعًا على تصميم باوهاوس: فهو يوفر أماكن عمل على طراز ما بعد الفترة الصناعية مع شبكة أنابيب صُلب مكشوفة وسلالم زجاجية.
3. تذكر الأساسيات
يُساعد كذلك التفكير الجديد بشأن رفاه الموظف في تصميم المكاتب. فقد أظهرت الدراسات أن التعرُّض إلى الألوان الزرقاء والخضراء قد يُعزز الإبداع، بينما يُحسن اللون الأحمر أداء المهام التي تتطلب الاهتمام بالتفاصيل.
كما لم يُترَك أمر الأثاث لمحض الصدفة. ترتبط بيئة العمل ذات الخطوط المنحنية – مثل الطاولات الدائرية في قاعات الاجتماعات أو الطاولات ذات الزوايا الانسيابية – بالمشاعر الإيجابية التي تساعد على الإبداع والإنتاجية. ويذكر سارتي: "أيَّا كان نموذج التصميم الذي نستخدمه، فإننا نهتم بجميع التفاصيل."
صُمم مركز ريجس (Clarahuus) في بازل بسويسرا استنادًا إلى تصميم ساجانو (Sagano)
4. تقسيم مكان العمل
الخطوة التالية في مراحل تصميم المكتب هي تحديد أفضل طريقة لتقسيم مكان العمل – التأكُّد من إبداع التخطيط الصحيح لمناطق العمل. كشفت دراسة استقصائية عام 2016 أجرتها شركة (Gensler) تتناول أماكن العمل في المملكة المتحدة أن 67 في المائة من القوى العاملة في المملكة المتحدة يشعرون بالاستنزاف في نهاية كل يوم عمل بسبب بيئتهم المباشرة – وأن العمال كانوا أكثر ميلاً إلى الابتكار إذا توفرت لديهم إمكانية الوصول إلى مجموعة من الأماكن التي تدعم أساليب عمل مُختلفة.
نظرًا لفقد بيئات العمل مفتوحة التخطيط بالكامل قبولها لدى المستخدمين، تخضع المكاتب لإعادة التصميم لاستيعاب بيئات عمل أكثر تنوُّعًا، والمعروفة باسم أساليب العمل القائم على النشاط، والمزيد من الإمكانات التي تُناسب الحركة. ويقول كليري: "كانت المكاتب في الماضي تُشبه غالبًا قاعات الدراسة." ”استبدلت هذا التماثُل مجموعة متنوعة من العناصر، تشمل قاعات المكاتب الفردية ومقصورات الاجتماعات والطاولات المُشتركة وطاولات القراءة ومراكز الفكر وكبائن الهاتف وقاعات الاجتماعات.
"يتمثل العامل الأهم في توفير جميع أنواع أماكن العمل التي قد يرغب العميل في الحصول عليها. قد يكون لهذا العميل بعينه احتياجات متغيرة تتعلق بأماكن عمل متنوعة في أوقات مختلفة. ويتمثل التحدي في تقدير حجم الطلب على كل عنصر بشكل صحيح بحيث لا تكون أماكن العمل مُزدحمة أو غير مُستخدمة."
5. تحديد أولويات الحيِّز الاجتماعي
هناك اعتبار آخر مهم يتمثل في المساحات الموجودة خارج نطاق العمل. هناك الكثير من الأبحاث التي توضح أن التفاعلات، بما في ذلك الاجتماعات العرضية – التي يُطلق عليها أحيانًا "الاصطدامات الإبداعية" – تُعزز الإنتاجية بدلاً من استنزاف حصيلة العمل. وصفت دراسة حالة وردت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review) كيف أُعطي الموظفون شارات قياس العلاقات الاجتماعية لتتبُّع تحركاتهم وتفاعلاتهم. وأظهرت البيانات التي جُمعت طيلة أسابيع أنه عندما زاد تفاعُل مندوب المبيعات مع زملاء العمل في فرق أخرى بنسبة 10 %، زادت مبيعاته / مبيعاتها بنسبة 10 % أيضًا.
قد يُمثل قرار بسيط يتعلق بمكان وضع آلات إعداد القهوة عاملاً حاسمًا عند تصميم مثل هذه الاصطدامات. ولهذا السبب توجد منطقة المقهى والحيِّز الاجتماعي في قلب أي مركز أعمال جديد – من الصين إلى كولومبيا. ويُشير كليري:"نُريد تشجيع التفاعُل بين العاملين." "يقع المقهى عند المدخل مباشرة لدى وصولك، وهو متصل بجميع المناطق الأخرى؛ لذلك تشعر أيضًا بصفتك فردًا عاملاً كأنك أكثر ارتباطًا بالمكان."
فرانسيس كليري، مدير مشروعات فتح مراكز ريجس الجديدة في آسيا والمحيط الهادئ
6. توفير متطلبات الإحساس بالمكان
تتضمن المرحلة النهائية تخصيص المساحة: باستخدام مواد وأثاث ومفروشات ناعمة وأعمال فنية. وهنا تتُاح أكبر فرصة لمنح كل مركز تجاري هوية مميزة تتناسب مع المنطقة المحلية التي يوجد فيها. تتوافر في مركز (Menara Boustead) التجاري، الذي افتُتح عام 2017 في مدينة بينانق بماليزيا خرائط قديمة لمدينة بينانق مُعلَّقة على الجدران، في حين يأتي بلاط الأرضية المُزخرف من محلات التسوُّق التقليدية الماليزية. ويذكر كليري: "يتعلق الأمر برمته باختيار جزء من الهندسة المعمارية المحلية لإعطاء إحساس بالمكان."
ويُشير سارتي: "يُعد تجاهل الإسهامات المحلية عند التصميم تصرُّفًا خاطئًا. قد تعتمد مراكز ريجس في جميع أنحاء العالم على نفس مبادئ التصميم وتهدف إلى تحقيق الجودة المتسقة مع المعايير، ولكنها تستخدم منتجات محلية المصدر وبعيدة عن اتخاذ شكل موحَّد."
7. التحقُّق من فعاليتها
بدءًا من توفير أجهزة الاستشعار الموجودة تحت أجهزة سطح المكتب وصولاً إلى أجهزة الموظفين القابلة للارتداء، يُصبح المكتب أكثر ترابطًا كما يوجِّه توصيات بشأن طريقة تصميم أماكن العمل. يقول أندريه شارب، كبير موظفي المعلومات لدى شركة ريجس: "لدينا قدر هائل من مقومات الذكاء التي توضح كيفية استخدام مراكزنا." "إننا نُشبه المختبر؛ حيث نتمكن من مراقبة طريقة استخدام العملاء لمنتجاتنا وخدماتنا – ومن ثَمَّ نُكيِّف ونُحسِّن تجاربهم استنادًا إلى النتائج."
يتمثل أحد الأمثلة على ذلك في استخدام بيانات الحجز لكل مُكوِّن من مكونات المكتب، والمُستمدة من مواقع أخرى في جميع أنحاء العالم، ثم مراقبة كيفية استخدام العملاء لمركز الأعمال. "يمكننا معرفة أي أماكن العمل تشهد عددًا كبيرًا من الزيارات – وفي أي وقت أثناء اليوم. ويُساعدنا ذلك على فهم ما إذا كانت تعمل هذه المناطق بشكل جيد كما ينبغي بالنسبة لعملائنا أم لا."
ويُضيف شارب: "ستتمكن الشركات مُستقبلاً من تقديم معلومات مرجعية بشأن تحرُّكات الموظفين مشفوعة ببيانات الأداء." "يمكن بعد ذلك تحليل النتائج لمعرفة شكل الخدمة التي يُقدمها مكان العمل للمستخدمين وكيف تؤثر على الشركة."
يُشير شارب إلى أنه رغم اعتبار خصوصية البيانات أمرًا ذا أهمية قصوى، "فعند استخدامها بشكل صحيح، تُساعد هذه الخدمات الشركات على إنشاء مكاتب مُصممة خصيصًا لتشجيع الأداء والتعاون الإيجابي."
كما يُدرك كليري وسارتي أهمية استخدام البيانات لاستلهام التصميم المستقبلي – والتمتُّع بفرصة رائعة لتحقيق هذا الأمر. ويذكر كليري: "نُقدِّم تصميمات للشركات، ولكننا نُقدمها أيضًا للأشخاص. فإذا تمكنَّا من منح الأشخاص ما يريدونه في مكان عمل قبل حتى أن يعرفوه بأنفسهم، فإنه شيء نافع للجميع."
ألكسندر جاريت كاتب صحفي بريطاني مستقل يتناول مجموعة واسعة من القضايا التجارية لدى صحافة المملكة المتحدة
تقارير إضافية أعدتها هانا هدسون
المصادر:
(1) https://www.officegenie.co.uk/workplace-happiness-report "تقرير السعادة في أماكن العمل"
(2) http://pdf.savills.com/documents/What_Workers_Want_2016.pdf "ماذا يريد العاملون في عام 2016"
(3) https://www.gensler.com/news/press-releases/uk-workplace-survey-2016-findings "نتائج الدراسة الاستقصائية لأماكن العمل في المملكة المتحدة لعام 2016"
